الثلاثاء، 9 أبريل 2013

اسامة و اللوكيميا

هديل الشواهين :أسامة ياسين الذي يقارب من العمر 12 عاما طالب متفوق في صفه السابع عندما تراه للوهلة الأولى سترى فيه حب الحياة، العزيمة أهم ما تراه في عيني أسامة ياسين. والإصرار على البقاء، وتحدي المرض تلك بعض ميزات شخصية أسامة. رغم صراعه بمرض اللوكيميا" لا يخشاه ابدا وفي عينيه قوة هائلة ترفض الخوف من اللوكيميا، هو لا يُعيرها بالا، مثلما بدأت رحلتُه مع العلاج منذ فترة طويلة، لكنّ رحلة العلاج لم تُوقف رحلتَه مع الحياة، بل زادته إصراراً وإقبالا عليها، فلم يعد مجرد طفل يلعب ويلهو مع أصدقائه، بل هو بقوة الإصرارِ شخصا يقظا ناضجا، بل وصار مسؤولا وحتى فيلسوفا صغيرا أيضا!. بعد مرور عام على بداية علاجه من هذا المرض الذي لم ينزع من قلبه لا حب الحياة، ولا الإصرار على المضي فيها، كأي طفل تملؤه الحياة. أسامة قصته مع مرض "اللوكيميا" ويقول إنه بعد شعوره بحالة من الإعياء المستمر، ونزول متواصل في درجات الحرارة، قرر أهله عرضه على الطيب، وإجراء التحليل اللازمة، فتبين أنه مصاب بهذا المرض. ويقول أسامة إن الدكتورة المعالجة اقترحت أن تحوله إلى مركز الحسين للسرطان، وهو لا يعلم حينها أنه مصاب باللوكيميا. علم أسامة أنه مصاب بـ "اللوكيميا": ". "عزيزتي اللوكيميا كنتِ دائماً عدوًا لي، لكني الآن أريد أن أشكرك كثيرا، لأنكِ جعلتني أرى أشياء في ذاتي لم أكن أعرفها". تلك هي الرسالة التي كتبها أسامة إلى عدوه وصديقه في آنٍ: مرض "اللوكيميا" مباشرة بالعلاج الكيماوي، فأصابه ذلك في البداية بحالة من الاكتئاب، وعدم الرغبة في القيام بأي شيء. ويقول أسامة "بعد فترة العلاج الأولى سئم نفسه من الجلوس ، وشعرت أنه لا مفر من أن أمارس حياتي بصورة طبيعية، وهكذا بدأت "أفتح" على الانترنت، وأقرأ عن المرض. وعدت إلى كتابة الشعر الذي أعشقه كثيرا، إذ كنت ألقَّب بـ"شاعر المدرسة". وبدأت أكتب كل ما يدور في ذهني، في كل مكان، وعلى جميع "كمبيوترات" البيت، بما فيها جهاز والدي، وعلى الموبايل أيضا". وخرج أسامة من المستشفى، واختار أعز أصدقائه، علي، فأخبره بطبيعة مرضه، وزاره بعد ذلك كل أبناء صفه، واحتفلوا بخروجه من المستشفى، وأحضروا له الهدايا. أسامة الذي اشتهر قبل المرض بقصات شعره، وموديلاته الغريبة التي كان يبتكرها بنفسه، يقول وأصابعه تعبث بشعره "كنت أعشق شعري كثيرا، وهو ما جعل الجميع يظنون أني سأنهار عندما بدأ شعري بالسقوط". أسامة ان شعره الذي أحبه كثيرا لم يسقط سقوطا كاملا. والحال أنه حتى لو سقط كل الشعر لما غضب، بل صار أسامة يتمنى لو سقط الشعر كله حتى لا يشعر بالحرجِ في كل مرة عندما يذهب إلى مركز الحسين للسرطان فيرى باقي "زملائه" في المركز وقد سقط شعرهم بالكامل. والأكثر من ذلك تعاطف أسامة مع كل الذين سقط شعرهم فأراد أن يكون مثلهم بلا شعْر تماما، وإرضاء لهذا الشعور النبيل لم يجد بدا من أن يطلب من أهله أن يأخذوه إلى الحلاق ليحلق شعْره، حتى يكون بلا شعْر، مثل إخوانه في المرض. وبسبب العلاج اضطر للغياب عن المدرسة مدة أربعة أشهر. لكنه رغم الغياب ما يزال متفوقا في دراسته، ومتابعا لها بشكل كامل. يقول أسامة "أكبر داعم لي هم أهلي، وخصوصا أمي التي توقعت أنها أقل تحملا وصبرا، لكنها كانت أقوى مما تخيلت، كانت تدعمني وتسندني بلا انقطاع، من كل النواحي. فقد جمعت كل أشعاري، وكتاباتي في كتاب قمنا بطبعه وبيعه عن طريق المدرسة، ليعود ريعه إلى مركز الحسين للسرطان. وأنا الآن أجهز كتابي الثاني". ويستعرض أسامة أصعب لحظات حياته فيقول "إن أصعب اللحظات التي عشتها خلال المرض، هي لحظة تراجع المناعة، حيث وصلت في مرة من المرات إلى "الصفر". ويصف هذه الفترة قائلا "مكثت في البيت طويلا بعد أن تعذر علي الخروج ورؤية الناس، حتى أختي لم أستطع التحدث معها لأنها كانت "مفلوزة"، فكنت كلما وسعني الخروج من المنزل لا أجد بدا من أن ألبس كمامة". وبابتسامة خجولة، وروح كلها مرح وأمل، يستذكر أسامة إحدى المواقف الطريفة التي حدثت معه، فيروي أنه بعد أن تحسنت مناعته خرج ذات يوم وهو يرتدي "الكمامة"، وتوجه إلى أحد "المولات"، متشوقاً لرؤية الناس، فإذا بفتاتين تمران بالقرب منه فلما رأتاه يرتدي الكمامة شعرتا بالخوف فبدأتا تركضان، لكن أسامة -المليء الحياة- جعل في الحال يركض خلف الفتاتين لـ"تخويفهما" من باب المزاح، فكانتا كلما أسرع أسرعتا أكثر. يقول "كنت أتعامل مع كل المواقف بالضحك والمزح، وهذه الروح العالية استلهمتها من الدعم المعنوي الذي كان يشِعُّ من حولي دائما، ومن والدتي خصوصا". يقول "المرض جعلني أكتشف أشياء كثيرة وطاقات جديدة في أعماق ذاتي، لم أكن أعرفها، ومنها الإصرار والعزم والثقة في إمكانيات الحياة التي قد لا نشعر بها ولكنها لا تنضب، وعلينا فقط أن نبحث عنها. فالمرض أخذ مني سلوكيات وتصرفات الأطفال، من لعب ولهو وغيرها، لكنه لم يأخذ صفات النضج والرجولة الكامنة في أعماق ذاتي. صحيح أنني اختلفت كثيراً بعد المرض، وصرت شخصا أكثر وعياً وأكثر نضجا" الجسم يصاب بالسقم، لكن الروح تمدّه دوما بطاقات جديدة". يحلم أسامة بأن بصبح طيارا، فهو يحب الطيران بطريقة لا توصف، ويقول إن فترة علاجه 3 سنوات، وقد أنهى منها العام الأول، وما تبقى من علاج لا يمنعه من أن يحلم، لأن الأحلام، كما يقول، "تتحقق إذا ظل الإنسان يلاحقها، فلا فرق بين إنسان مريض وآخر ينعم بكامل الصحة، فكلاهما قادران على تحقيق أي حلم". ولا غنى عنه، من أيّ كان، من أي نفسٍ تحب الخير للآخرين كما تحبه لنفسها، للمساهمة في القضاء على هذا المرض" الذي لم يقتل الأمل والحياة في في جسد الطفل أسامة أو كما يمكن أن يطلق عليه من يراه ويستمع له "الفيلسوف الصغير". منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق